مذكرات الفزبا الحمرا – (7) “كوردينو” وتعديل “البابرينو”

Standard

Scooter Diaries - Banner

حسناً. لقد عرفنا فى الحلقات السابقة قصة بدايتى مع السكوتر، ولكن ما هى قصة بداية هذه الآلة نفسها المسماة “سكوتر”؟ وما علاقة “عم بطوط”، تلك الشخصية الكارتونية المحببة إلينا، بها؟ دعونا نتفق أولاً ان كلمة “فسبا” التى يطلقها العامة فى مصر على هذا الشكل من الدراجات النارية هى ليست تصنيفاً لغوياً صحيحاً. فالاسم الصحيح المترجم من الانجليزية هو “سكوتر”، ويطلق على أى دراجة نارية تتميز بتصميم يسمح بوضع قدميك بشكل متوازى أمامك بدلاً من ضمهما   إلى جانبىالدراجة كما هو معتاد.  يسمون هذا الشكل   “ستيب-ثرو فريم” وتعنى حرفياً: “إطار يسمح بالمرور من خلاله”!  وهو نوع من الدراجات معروف منذ أواخر القرن التاسع عشر وأول من اخترعها كان الألمان.

أما كلمة “فيسبا”، فهى كلمة إيطالية تعنى “دبور”، وقد اختارتها شركة إيطالية تدعى “بياجيو” لتكون العلامة التجارية الخاصة بخط إنتاجها من الدراجات النارية المصممة بشكل السكوتر المميز. وكعادة كل المنتجات الرائدة فى أى صناعة، صارت كلمة “فيسبا” تستخدم كبديل عملى عن كلمة “سكوتر” الأشمل والأعم، تماماً كما نقول “كلينكس” على المناديل الورقية، رغم أنها ماركة تجارية أمريكية لا أكثر، وكما نقول “أسبرين” على كافة الأدوية المسكنة للألم، إلخ. وفى مصر المحروسة، ولأننا نختلف دائماً عن الآخرين، فلقد طعم المصريين العظماء كلمة “فيسبا” ذاتها بالنكهة المحلية التى تحول كل “سين” أو “ذال” إلى “زاى”، فصار المتعارف عليه ان ذلك الشكل من الموتوسيكلات يعرف باسم “فزبا”.

لن أنسى يوم ذهبت لترخيص السكوتر الخاص بى فى وحدة المرور المختصة بمنطقة سكنى فى شبرا، وتوجهت بعد أداء الفحص الفنى المعتاد إلى المهندس المسؤول ليقوم بالتصديق على أوراق الفحص. لقد سألنى وهو منهمك فى تفنيد عدد كبير من الأوراق يحملها فى يده بلا اكتراث مثلما تحمل ساندوتشات الفول الملفوفة بأقصى عشوائية ممكنة:

  • العربية نوعها ايه؟
  • مش عربية يا فندم
  • أومال ايه؟
  • فسبا ان شاء الله

هنا حصلت على قدر من الإهتمام يفوق سندوتشات الفول بقليل، فقد رفع عينيه إلى من فوق النظارة يتفحصنى بإمعان كما لو كنت موتور سيارة لامبورجينى لم يسبق لمثله ان رأها رأى العين قطعاً، ثم قال بلهجة ناظر مدرسة “قفش” أحد الطلاب متهرباً من درس النحو:

  • ايه؟ اسمها ايه؟
  • فسبا حضرتك … مكنة
  • اسمها ايه تانى كده؟
  • (بدأت اتلعثم مع جهلى التام بموقع الخطأ فى كلامى) فسبا؟
  • قصدك “فزبا”؟ صح؟
  • اييييييوة. فزبا! أنا آسفة والله … أنا شخصياً بقول “مكنة” عادى!

 

فضحك ضحكة صفراء (وهذه هى مستوى على درجة عالية من التطور من الابتسامة الصفراء) وختم على أوراق الفحص وزيلها بتوقيعه الشريف، فخطفتها من بين يديه ولذت بالفرار وأنا أقسم ألا استخدم أى لفظ آخر يعبر عن هذا الشىء الذى أركبه سوى كلمة “مكنة”.logo_vespa_frei

حسناً، نعود إلى قصة “الفسبا” نفسها. شركة “بياجيو” المنتجة لها قد انشأت فى أواخر القرن التاسع عشر، تحديداً فى عام 1884، وكان منتجها الرئيسى هو محركات القطارات وعربات السكك الحديدية، ثم اتجهت خلال الحرب العالمية الأولى إلى تصنيع الطائرات.  ومع إندلاع الحرب العالمية الثانية، تخصصت “بياجيو” فى صناعة الطائرات القاذفة للقنابل، تلك المدعوة “بومبر ايركرافت”، لذلك، كان مصنعها الكبير فى مدينة “بونتديرا” الهدف الرئيسى لقذائف قوات الحلفاء حين دخلوا إلى إيطاليا، فتم تدميره بالكامل.

 مع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت خسائر “بياجيو” فادحة بحق. فمن ناحية، مصنعها الرئيسى قد تساوى بالأرض، ومن ناحية أخرى، بإنقشاع غبار الحرب عن المنطقة واتجاه الدول المتأثرة بها إلى حركة إعادة البناء والتعمير، انحسرت الحاجة إلى لمنتج الشركة الأساسى من الطائرات المقاتلة. هكذا انصرف نظر “انريكو بياجيو”، مالك الشركة، إلى تلبية إحتياجات السوق المحلى فى ايطاليا. فالطرق الرئيسية والشوارع قد تدمرت إثر الحرب، مما يعنى صعوبة استخدام السيارات العادية. من ناحية أخرى لم يكن إقتصاد إيطاليا فى تلك الفترة بأحسن حالاً من شوارعها؛ كانت الأسر الإيطالية بالكاد تجد قوت يومها، وبالتالى كانت فى أمس الحاجة لوسيلة انتقال رخيصة وإقتصادية.

هكذا عكف مهندسى “بياجيو” عام 1944 على تصميم مركبة تشبه إلى حد ما الموتوسيكل وإن كان هيكلها الخارجى يحتوى كل التفاصيل الميكانيكية من موتور وأسلاك وخلافه. وكان هذا التصميم يتخذ كنواة له تلك الموتوسيكلات الزيتونية اللون التى كانت القوات الأمريكية تستخدمها كوسيلة لنقل قوات المشاة وقوات البحرية عبر الخطوط الدفاعية للنازية والمناطق المدمرة بين الطرفين المتنازعين.

798px-US_Gov_Cushman_scooter_01

فى النهاية تم تصنيع النموذج التجريبى الأول لهذا التصميم وأعطوه اسم “بابيرينو”، وهو اسم “عم بطوط” فى إيطاليا، على غرار السيارة ماركة “فيات” موديل 500 التى أطلق عليه اسم “توبولينو”، أى “ميكى ماوس” بسبب تصميمها الذى يشبه إلى حد كبير تلك الشخصية الكارتونية. وهذه المعلومة الطريفة إن دلت فإنما تدل على ان الإيطاليين يسبقوننا معشر المصريين فى القدرة على “الألش” بسبعين سنة على الأقل!

جدير بالذكر ان هذا النموذج التجريبى، الذى يعرف كذلك باسم “إم بى 5” إختصارا ل “موتو بياجيو 5” مازال معروضاّ حتى الساعة فى   متحف شركة “بياجيو” فى مدينة “بونتيديرا” الإيطالية، مسقط رأس” الشركة وأصحابها. بيد ان هذا التصميم لم ينل إعجاب “انريكو بياجيو”، فقد رأي فيه تكلّف من حيث الحجم والطول، لذلك لجأ إلى أحد مهندسى شركته القدامى، ويدعى “كورادينو داسكانيو”، الرجل الذى يعتبر الأب الروحى لما نعرفه اليوم باسم “الفيسبا”.

vespa-mp5-paperino-1945-diecast-model-motorbike-maisto-39540-mp5-p

كان هذا ال “كورادينو” فتى نابغة منذ صغره، شغوفاً بالطيران منذ صغره، حتى انه فى عمر الخامسة عشر تمكن من تصميم طائرة شراعية كاملة، كان يطلقها من فوق التلال المتاخمة لمسقط رأسه فى مدينة “بيزا” الإيطالية. لذلك كان منطقياً ان يتطلع إلى دراسة الهندسة الميكانيكية، ثم يتطوع للانضمام إلى الجيش الإيطالى، وتحديداً فى سلاح المهندسين، كتيبة الطيارين. برع “كوردينو داسكانيو” فى مجال ميكانيكا الطيران، وله العديد من براءات الاختراع المسجلة فى تطوير أنظمة الطيارات المختلفة. هكذا أخذ ينتقل من مشروع إلى الآخر، وما بين الجيش والشركات الخاصة، ومنها شركة “بياجيو” حتى انتهت الحرب العالمية الثانية، ووجد نفسه مثل العديد من الايطاليين فى تلك الفترة بلا عمل ولا مورد دخل. والأسوأ من ذلك ان إيطاليا وضعت فى تلك الفترة تحت حظر تصنيع أو تطوير أى معدات عسكرية  أو تقديم أى أبحاث فى مجال تكنولوجيا الفضاء لمدة عشرة أعمال كاملة. هذا يعنى ان مجال عمل “كوردينو” الأساسى قد أغلق فى وجهه تماماً داخل إيطاليا. ولكن لحسن حظه ان هذا الوضع لم يستمر طويلاً، حيث فاجأه “انريكو بياجيو” بطلب تطوير نموذجه الأول “البابرينو” بنموذج أكثر انسيابية وعملية فى نفس الوقت.

عكف “كوردينو” الذى كان يكره الشكل التقليدى للموتوسيكلات على تصميم عصرى غير مألوف.  كان هناك عدد من المواصفات المحددة التى أراد ان يوفرها لسائق هذه المركبة الجديدة. أولها ان تكون مناسبة لقيادة الرجال والنساء على حد سواء، لذلك التجويف الأمامى لهيكل السيارة الذى يسمح للمرأة بتنورتها الطويلة فى ذلك الوقت بالجلوس على المقعد فى أناقة وراحة. وثانيها كان حماية أقدام السائق من أوساخ الطريق، لذلك جاءت مقدمة السكوتر فى شكل درع حديدى تختفى القدمين وراءه تماماً. وأخيراً، جاءت الحاجة إلى قدرة السكوتر على استيعاب راكب مرافق، فكان الكرسى الطويل الذى يغطى الموتور ويسمح بركوب مرافق أو اثنان خلف السائق، مما سمح بدوره للترويج لهذه المركبة كوسيلةمواصلات عملية جداً للأزواج بل للعائلة بأكملها.

vespa-pontedera-factory-1950

هكذا ولدت “الفيسبا” الأولى فى شكلها الكلاسيكى عام 1946م، حيث تم عرض النسخ الأولى منها فى معرض بمدينة ميلانو، وتم بيع 50 مركبة فى العام الأول، ثم ما لبثت مبيعاتها ان زادت اضطرادياً حتى وصلت إلى أكثر من 60,000 “فيسبا” بيعت فى عام  1950 وحده. هكذا تربعت شركة “بياجيو” على عرش السكوتر فى العالم بمبيعات خيالية، حتى ان ال”فيسبا” صارت من الايقونات الوطنية الإيطالية. وحين اصطحب الممثل الأمريكى الوسيم “جريجورى بيك” حبيبته الرقيقة “أودرى هيبورن” وراءه على الفيسبا الايطالية ليتجول بها فى شوارع روما فى فيلم “إجازة فى روما”، ألهب حواس الجماهير وصار حلم كل فتاة فى هذا الجيل – جيل الخمسينات – هو ان تركب الفيسبا وتدور بها فى شوارع “روما” وهى تتعلق بظهر حبيبها. استمر هذا المشهد حاضراً فى الأذهان حتى يومنا هذا، فحين ذهبت إلى “روما” منذ بضعة سنوات، كانت محال التذكارات السياحية كلها تعرض علامة “الفيسبا” المميزة، وصور من الفيلم الشهير، وكذلك نماذج مصغرة من “الفيسبا” فى موديلات متعددة. وقد اوستغل الإيطاليون هذه الشهرة إلى أبعد من ذلك، ففتحوا محلات لتأجير السكوتر باليوم، ويضعون تسعيرة مبالغ فيها للإيجار، كما تقوم شركات السياحية بتنظيم جولات لمشاهدة معالم “روما” يقوم فيها كل سائح بقيادة سكوتر خاص به.

شيرين عادل

15 November 2014

مذكرات الفزبا الحمرا – (6) “كى جى 1” سكوتر

Standard

Scooter Diaries - Banner

أول خروج لى إلى الشوارع الرئيسية بالسكوتر كان فى شارع النزهة بمصر الجديدة، بعد ان أشتريته من المحل وصممت أن انطلق به إلى مدينة نصر وحدى. فى تلك الليلة الميمونة أدركت أخيراً معنى تعبير أدبى فصيح  لطالما قرأته فى قصص الرعب العربية أو المترجمة إلى العربية ولم أفهم معناه حتى تلك اللحظة التى مشيت فيها وسط السيارات المسرعة محاولة ان أخرج إلى شارع الثورة ثم قطع الشارع بطريقة شبه عرضية للوصول إلى الملف الراجع باتجاه دار الإشارة. كان هذا التعبير الأدبى البليغ هو “ارتعدت فرائصه”. وأنا لازلت لا أفهم تماماً ما هو موقع تلك “الفرائص” من جسد البنى آدم يوجه عام، ومع ذلك لا شك عندى ان فرائصى وشعر رأسى وكل خلية فى جسدى قد ارتعدت فى تلك الليلة مع محاولاتى الخرقاء المتخبطة للمرور بين السيارات، يكاد جسدها المعدنى يحتك فى لحم جسدى، ويرتعش بدنى فلا أعرف إن كان يهتز خوفاً أم برداً إثر لفحات الهواء المتتالية التى يُحدثها تفريغ ضغط الهواء لذى مرور السيارات المسرعة بجوارى.

أول يوم فى “كى جى 1” السكوتر لا يفرق كثيراً عن أول يوم “كى جى 1” فى المدرسة. نفس الإحساس المقيت أنك طفل وحيد ضعيف وسط غابة من العمالقة. أنت وحدك فى مواجهة العالم. أنت “نوح” وعليك ان تقود مركبتك إلى بر الأمان عبر طوفان متلاطم الأمواج من السيارات والناقلات والماكينات والبشر. عليك ان تردد لنفسك طوال الوقت “أنت بخير. لن يحدث لك شىء. ان الأمر أسهل من ركوب الدراجة الهوائية، وأنت تركب الدراجة الهوائية منذ ان كان عمرك سبع سنوات. هيا. لا تكن جباناً” وأنت تحاول ان تتناسى حقيقة ان عمرك لم يعد 7 سنوات، وان ثقل وزنك وحده كفيل بجعل سقوطك مدوياً فمابالك باحتمالية سقوطك إثر تصادم عنيف مع هيكل حديدى عملاق مثل هيكل سيارة؟

hepburn-vespa-roman-holiday

مر أول يوم فى “كى جى 1” بسلام ولله الحمد. وصلت إلى مدينة نصر حيث قابلت صديقتى التى أعطتنى حصة القيادة هذا الصباح، لأترك السكوتر فى الجراج الخاص بالعمارة التى تسكن بها. لا أستطيع ترك السكوتر عند أهلى فى مدينة نصر، رغم ان منزلهم يقع على بعد شارع واحد من منزل صديقتى، وذلك لسبب بسيط جداّ؛ أننى لا أنتوى إطلاقاً إطلاعهم على سر شراء السكوتر فى الوقت الراهن، تفادياً لحرب شعواء أعلم علم اليقين حتمية شنها من قبل أمى ضد الفكرة من أساسها.  فى نفس الوقت، كنت لا أمتلك خطة واضحة للأيام المقبلة، ولكنى أعلم تماماً بعد هذه التجربة المروعة من الخوض العشوائى فى المرور هذه الليلة انه من المستحيل ان أقود هذه الآلة المميتة من مدينة نصر إلى شبرا. على الأقل ليس قبل ان أتمكن من قيادتها وأمتلك زمامها تماماً.

هكذا قضيت الأيام التالية متبعة برنامج صارم من التدريب اليومى على القيادة. فى كل صباح  أنتقل من منزلى فى شبرا إلى جراج صديقتى بمدينة نصر عن طريق السيارة، فأترك تلك الأخيرة هناك وآخذ السكوتر لأذهب به إلى مقر عملى عند “سيتى ستارز” بمدينة نصر. المسافة قصيرة، أقطعها فى مدة زمنية لا تتعدى عشر دقائق، ولكنى كنت تدريجياً أخترع المشاوير المختلفة أطيل من فترة قيادتى للسكوتر، فتارة أتخذ طريق أطول إلى مقر عملى، وربما درت دورتين حول المنطقة قبل ان أتوقف عنده،  وتارة أخرى أذهب إلى سوبرماركت بعيد لأشترى بعض مستلزمات المنزل قبل عودتى إلى سيارتى لتصطحبنى إلى المنزل بعد ان أترك السكوتر مرة آخرى فى الجراج بمدينة نصر.

أما ما حدث فى تانى يوم “كى جى 1″، فكان جديراً بمنحى شهادة البكالوريوس مباشرة. والحكاية ببساطة أننى استيقظت فى اليوم التالى لشرائى للسكوتر، وهو نفس اليوم الذى ركبت فيه سكوتر للمرة الأولى فى حياتى، وكنت فى حالة من الحماسة أكاد أطير معها من شبرا إلى مدينة نصر حتى أتمكن من وضع يدى على مقبض السكوتر الأحمر مرة أخرى، واسمع صوت “الزنة” المحبب للموتور الخاص به. هكذا ذهبت إلى مكتبى وركنت السكوتر تحت بصر رجال الأمن بالمبنى. كان هناك العديد من اللغط والنظرات المتفاجأة من جميع العاملين بالمكان، لكنى كنت فى نشوة وسعادة تجعلنى فى عالم خاص منفصل عنهم تماماً. وفى أثناء اليوم، كان علىّ ان اقوم بمشوار قصير إلى محطة الأتوبيسات ب “ألماظة” لقطع تذاكر السفر تحضيراً لرحلة قريبة. ولما كنت أكره المشاوير المنفردة فى المعتاد، فقد دعوت صديقتى فى العمل لمرافقتى، وهى ألمانية تعيش فى مصر منذ سنوات. ربما كانت جنسيتها سببا فى تفتحها وتقبلها لفكرة ركوب السكوتر فى شوارع المحروسة وراء مبتدئة فى القيادة مثلى، وربما لأنها كانت تركب واحداً مثله فى ألمانيا وقد “حنّت” إلى أيام “الشقاوة”، وربما لا هذا ولا ذاك، بل هى مغامرة غير محسوبة العواقب من ناحيتها وتهور لا داعى له من ناحيتى.

هكذا انطلقت إلى وجهتى القريبة، أنا فى ملابسى الصيفية التى لا تخفى شيئاً من كونى امرأة، ومن خلفى صديقتى الألمانية يتطاير شعرها الأشقر من خلفها بينما تحجب نظارتها السوداء الشمس عن عينيها الزرقاوان. كان مشهداً جديراً بلقطة من فيلم تدور أحداثه على كورنيش “فلوريدا” الأمريكية وليس شارع “عمر بن الخطاب” بقلب القاهرة!

كنت أحاول جاهدة التحكم فى السكوتر الذى صار يرزح تحت ثقل فردين لا فرد واحد. كانت قيادتى قد شهدت تحسناً طفيفاً عن الليلة السابقة، لا سيما فى ضوء النهار المريح للأعصاب. ووصلت  إلى المحطة بنجاح ساحق، وعدت منها سليمة فى قطعة واحدة وكذلك رفيقتى. أما ما حدث فى الصباح التالى فكان العجب العجب.

ان من عادتى حين يرن المنبه المضبوط فى هاتفى المحمول  فى الصباح الباكر ان أغلقه ثم أقوم بتصفح الفيسبوك لبضعة دقائق حتى أساعد ذهنى على الاستيقاظ وعدم الاستسلام للنوم مرة أخرى. وفى ذلك الصباح، فى اليوم الثالث لشرائى لسكوتر، كان أول ما فتحت عينى عليه هو تنبيه من الفيسبوك ان أحد الأصدقاء قد ذكر اسمى تعليقاً على أحد الصور المنشورة فى صفحات من الصفحات الكبيرة التى تجمع أصحاب ومحبى السكوتر فى القاهرة.  فتحت الصورة، فإذا به صورة لفتاة تركب سكوتر أحمر اللون ومن وراءها فتاة شقراء ترتدى نظارة سوداء!

بالطيع قفزت من السرير من هول المفاجأة وقد طار النوم من عينى تماماً وحل محله خليط من الاتبهار والسعادة. تخيل معى ان فى اليوم الأول لركوبك السكوتر يسجل أحدهم تلك اللحظة وتصبح أنت لتجد صورتك معروضة على الملأ تحفها عبارات الثناء والاستحسان لشخصك المتواضع! كان التعليق المكتوب على الصورة يحمل إعتذاراً من صاحبها على تصويره لنا بدون علمنا، ويعبر عن سعادته لوجود فتيات يخضن تجربة ركوب السكوتر بجرأة وشجاعة. وإذا بصديقنا الذى أشار لى على الصورة يعلّق موضحاّ ان هذا كان اليوم الأول لركوبى السكوتر، والرجل صاحب الصورة لا يصدقه. جدير بالذكر ان هذا الرجل الذى التقط لنا الصورة صار صديقاً شخصياً لى ولزوجى وسافرنا معاً فى رحلة خاصة للموتوسيكلات بعد هذه الواقعة بشهور عديدة.

شيرين عادل

11 November 2014

مذكرات الفزبا الحمرا – (5) الفيسبا الحمراء

Standard

Scooter Diaries - Banner

وقفت داخل ذلك المعرض الصغير بمصر الجديدة، الذى تفترش أنواع متعددة من الموتوسيكلات المختلفة الرصيف والشارع قبالته، وأخذت أتأمل فى ألوان وأشكال مختلفة من الخوذ. بالطبع كان كل ما أراه وقتها هو الألوان والأشكال بالفعل، فلم أدرك بعد ان هناك أنواع متعددة من الخوذ تختلف طبقاً لتصميمها وطرازها وشهادات الجودة المصاحبة لها التى تضمن لك معدلات متفاوتة من الأمان والسلامة، إلخ. كانت النية المبيتة لدى هو شراء خوذة كخطوة تمهيدية لشراء السكوتر نفسه. أنا أكره التردد بشدة، وأحب ان أقطع على نفسى وعلى الآخرين تلك المرحلة المضيعة للوقت بإتخاذ قرارات حاسمة فى أضيق فترة زمنية ممكنة.

أما عن الفترة الزمنية الفاصلة بين حصة التعليم المجانى التى تلقيتها فى نهار ذلك اليوم (انظر الحلقة السابقة) وفقرة شراء الخوذة تلك فلم تتعد ال4 ساعات. فقد انهيت شغلى ذلك اليوم وأنا مازلت أقلب الموضوع فى رأسى، وإن زاد علىّ حماسة التجربة التى خضتها قبل ساعات. هكذا وجدتنى أكسر مقود السيارة أوتوماتيكياً لأنطلق إلى مصر الجديدة بدلاً من البيت.

استقر إختيارى على خوذة بيضاء لامعة، ذات واقى زجاجى متحرك للوجه. تصميم يطلق عليه “نصف وجه”. ثم أرتأيت ان أسأل صاحب المحل عن نوعية معينة من السكوتر. لقد استقر العزم على شراء واحد من ذلك الطراز بالذات بعد قيامى ببحث سريع على الانترنت وبسؤال الأصدقاء عن أفضل الأنواع المناسبة لميزانيتى، وإن كان السبب الرئيسى لإختيارى له هو شكله الكلاسيكى المميز المشابه لل”فيسبا” الإيطالية الأصلية. أخبرنى الرجل ان هذه النوعية بالذات قد نفذت وان الدفعة القادمة منها سوف تصل إلى مصر فى غضون ثلاثة أسابيع. أصبت بشىء من الإحباط وعزمت على البحث عن ذلك السكوتر فى معارض أخرى فى الأيام القادمة، وهممت بالرحيل. ولكنى لمحته يقف بالخارج أمام المحل. كان مميزاً بلونه الأحمر القانى، وسط عدد من السكوترات البيضاء والرمادية. كيف لم ألحظه عند دخولى؟

أشرت إليه وسألت الرجل: “طب وده؟ ده متباع ولا ايه”. فأخبرنى أنه متاح للبيع ولكنه مستعمل، ثم منحنى المزيد من التفاصيل: “ده يا ستى عامل 900 كم وصاحبته بنت زيك برضو مركبتوش غير كام مرة ولسه حتى مترخصش”. توجهت إليه مباشرة وأخذت أدور حوله بينما القرار يدور فى الاتجاه المماثل تماماً داخل رأسى. أدركت من الخدوش المتعددة بجانبه الأيسر أن السبب فى تخلى صاحبته عنه فى الغالب يرجع إلى حادث بسيط أصدر أهلها بعده فراماناً بضرورة التخلص منه فوراً. بالطبع هذا هو نفس السبب الرئيسى ذو النظرة التربوية المبعدية العميقة الذى أعتبره مسؤولاً بشكل مباشر عن انتاج جيل من الأطقال والشباب فاقدى الطموح والتطلع تماماً بل والقدرة على معالجة مشاكل حياتهم بدلاّ من تفاديها تماماً (السكوتر بيجيب وجع دماغ؟ بلاها سكوتر أصلاً).

لم يستغرق الأمر سوى ثلث الساعة، تخللتها مكالمة قصيرة من صديقى “خالد” الذى “يفهم فى هذه الأشياء” أسأله عن رأيه فى مواصفات السكوتر (كأنما رأيه سيثنينى عما أختمر فى الرأس وأزكمت رائحته أنف السماءّ)، ومكالمة قصيرة مليئة باللف والدوران والشكوك مع زوجى أخبره فيها بعثورى على سكوتر مناسب وأشرح له مواصفاته (اللف والدوران من ناحيتى كى لا أخبره عن نيتى المبيتة فى شراء السكوتر تلك الليلة بالذات، والشكوك من ناحيته لعلمه أننى حتماً شارية إياه ان لم أكن قد اشتريته بالفعل!).

عشرون دقيقة فقط لا غير، كانت كافية لأتخذ القرار الذى غير شكل حياتى إلى الأبد (وتلك الجملة لا تحمل أدنى صيغة مبالغة أو ابتذال، كما سترون بأنفسكم فى الحلقات القادمة. عشرون دقيقة فقط لا غير، كانت كافية لأحمل فى جيبى عقد بيع يثبت ان المدعوة شيرين عادل تمتلك سكوتر “اس واى إم فيدل تو” فئة 150 سى سى أحمر اللون وقد دفعت فيه ستة آلاف جنيه فقط لا غير (كان ثمنه أرخص من السكوتر الجديد بألف وثلاثمئة جنيه حسب سعر السوق وقتها.

53167

:بعد عشرين دقيقة صرت أمتلك سكوتر. والآن، ماذا أفعل؟ سألنى صاحب المحل سؤال وجيه جداً: “انتى بتعرفى تسوقى؟”. فكان بيننا هذا الحوار الشيق

(بص حضرتك .. فى الحقيقة أنا أول مرة أسوق سكوتر فى حياتى كان من أربع ساعات بالظبط (مع ابتسامة عريضة بلهاء وهالة من البراءة تطفو فوق رأسى –

بنظرة متوترة) طيب خلاص، اطلعى بالعربية وهبعت وراكى واحد من عندى يوصلهولك لحد البيت)-

(لا لا … مفيش مشكلة، أنا هسوقه وهبقى أرجع آخد العربية (بنفس الابتسامة والهالة الطافية-

(النظرة تحولت إلى هلع) تسوقيه ايه… مينفعش طبعاً (ومسك لسانه عن كلمة “انتى مجنونة؟)-

لأ عادى، متقلقش. أنا هعرف أسوقه مفيش مشاكل-

مع مماطلة الرجل ونظرات هلعه التى صارت تزداد اتساعا لتتناسب إطرادياً مع لهجة الإصرار المتعالية فى صوتى، اختفت الابتسامة وذهبت هالة البراءة أدراج الرياح وحلت محلهما نظرة متوعدة شريرة وبدأت نبرات صوتى تتحول إلى مشروع بلطجى ممارس عام لسان حاله يقول:  “قصر ولمّ المتكسر يا برنس عشان نعدّى الليلة … أنا دماغى جزمة قديمة تقفيل إيطالى جلد مفتخر وهروّح بالسكوتر النهاردة يعنى هرّوح بالسكوتر النهاردة … ولو طلبت هنيمه فى حضنى فى السرير كمان .. كلمة كمان وهكسرلك المحل ده!”

إزاء هذا الإصرار الطفولى العنيد، لم يملك الرجل المسكين من أمره شيئاً سوى إلقاء وابل من التحذيرات والتوصيات المختلفة على مسامعى، وتركنى انطلق أمامه، بينما وقف هو على باب المحل بجوار أحد العمّال، يشيعانى بنظرات قلقة متوترة فى مشهد درامى يليق بفيلم “ذهب مع الرياح”.

كيف وصلت من مصر الجديدة إلى الجراج بمدينة نصر فى تلك الليلة؟ … لذلك قصة أخرى.

شيرين عادل

10 November 2014

مذكرات الفزبا الحمرا – (4) أول يوم سكوتر

Standard

Scooter Diaries - Banner

هناك مقولة أمريكية شهيرة مفادها ان “وحده من يقود دراجة نارية يعرف عن حق إحساس الكلب حين يخرج رأسه سعيداً مبتهجاً من نافذة السيارة”. ومن خبر منكم هذه التجربة – أى  قيادة الدراجة النارية – يعرف ان هذه المقولة صائبة تماماً، ولكن قليلون هم من يلاحظون ان مرافقة قائد الدراجة جلوساً على المقعد الخلفى هى التشبيه الأدق لهذا الكلب السعيد! إن المشاهد الحياتية اليومية تمر أمام عينيك فى لوحات بانورامية مثيرة  وأنت مستقر فوق ذلك المقعد الخلفى متحررا من كل شىء، وحين يلامس الهواء المنعش وجهك، تشعر بكل ذرة من المكان تلامس جلدك، ثم تخترقه ليصبحك جسدك قطعة من محيط الوجود ذاته. لعلى لا أبالغ لو قلت انها تجربة تشبه خروج الروح من الجسد والطفو فى الأثير!

ولكن هذا الاحساس الفريد مشروط بالإستسلام التام، ان تنغمس تماماً فى اللحظة، وتنزع عن فكرك كل المخاوف والهتافات العقلية التى تدعوك للصراخ فى كل مرة تتذكر فيها ان كل ما يضمن وجودك فوق المقعد وعدم سقوطك بسرعة 60 كم/س على أقل تقدير هو تشبثك بكتف قائد الدراجة أو خصره. وقد كانت تلك بالظبط هى نوعية الأفكار التى أخذت تدور فى رأسى بلا هوادة فى المرة الأولى التى ركبت فيها السكوتر فى حياتى على الإطلاق، مما أفسد علىّ أى متعة محتملة، وكاد ان يصرف نظرى تماماً عن فكرة إقتناء سكوتر من الأساس.

كان الوقت ظهراً، فى أحد أيام شهر أبريل عام 2013، حين قابلت زميلتى بالعمل التى تركب السكوتر (راجع الحلقة السابقة) من أجل حصة التعليم المجانية التى تكرمت بها على شخصى المتواضع. التقينا أثناء وقت الاستراحة أمام الشركة التى نعمل بها سوياً، وذهبنا إلى حيث تصف هى السكوتر فوق الرصيف المقابل. انتظرت حتى قامت بإنزال السكوتر الأحمر فئة 150 CC من فوق الرصيف ثم ارتقيت بصعوبة الكرسى الخلفى، وذهنى يتسائل فى هلع ان كانت صديقتى التى يصل وزنى إلى ضعف وزنها ستتحمل القيادة بوجود هذا الدرفيل الصغير الذى استقر فوق السكوتر خاصتها؟

لم نكد ننطلق وسط زحام السيارات حتى أدركت ان مشكلة التوازن هى أهون المشاكل فى الوضع الحالى، هناك مثلاً مشكلة ان ظهرك فى العراء التام لا يسنده شىء، وأقل حركة مفاجأة للسكوتر أو قائدته ينذر بإطاحتك من عليه فوراً. هناك كذلك مشكلة “الرُكَب” – بضم الراء وفتح الكاف”، وهى مشكلة لا يفيد فيها قصر أو إرتفاع طول الراكب الخلفى، بل تكمن فى تصميم السكوتر ذاته الذى يحتم على الراكب الخلفى ان يضع قدميه فوق شفتين مرتفعتين ملاصقتين لجسم السكوتر من الخارج، مما يجعل “الركب” نفسها خارج أبعاد السكوتر الحقيقية، فبالتالى لو لم ينتبه قائد السكوتر أثناء مروره بين السيارات لأصاب”ركب” الجالس وراءه فى مقتل، تماماً كما تُسلم مرايات السيارات على أحدها الآخر فينتهى الأمر غالباً بعراك بين أصحابها.

1

وصلنا بسلام إلى ساحة متطرفة لا تدخلها السيارات إلا لماماً، فتوقفت صديقتى على جانب الطريق وأنزلتنى، ثم أخذت تشرح لى كيفية إدارة محرك السكوتر. كان الأمر أسهل بكثير مما توقعت. هناك  صورة مألوفة تستقر فى مخيلتى عن عملية “تدوير” تلك النوعيةمن الآلات: رجل أربعينى غارق فى عرقه يقف على قارعة الطريق وهو يحاول بعنف ان يصغط على مكبس رفيع يقع فى النصف السفلى من جانب “الفزبا” يدعى “المنفلة” – وهى كلمة إيطالية بالمناسبة Manovella استوردها المصريين مع استيرادهم لل”فسبا” الإيطالى فى الخمسينات –  وهو فى نفس الوقت يعالج بيده اليسرى أحد المقابض، ثم أخيراً تستجيب المكنة اللعينة وتصدر صوت كركرة عالية، فيقفز الرجل فوقها مسرعاً قبل ان تغير رأيها وتهمد إلى سكون مرة آخرى. هذه الصورة اختلفت تماماً حين بدأت صديقتى فى الشرح: هذا السكوتر من النوعية الأتوماتيك، وهو يختلف عن ذاك الذى يدار بالمنفلة ويطلق عليه سكوتر “يدوى” أو “مانيوال”. فالسكوتر الأتوماتيك لا يتطلب سوى كبسة على زر صغير يقع أسفل المقبض الأيمن، مع الضغط على المكبح المقابل للمقبض الأيسر الذى يمثل كابح العجلة الخلفية “الفرامل”.

دار السكوتر على الفور، وانطلق صوت الكركرة العالية المحبب إلى نفسى. هكذا انتهت حصة “كيف تدير محرك السكوتر” لتبدأ بعدها بثانية واحد حصة “الفرامل”، وهى تتكون من جملة واحدة بسيطة: “الفرامل المقابلة للمقبض الأيمن تكبح العجلة الأمامية، أما الفرامل المقابلة للمقبض الأيسر فتكبح العجلة الخلفية”. ثم أشارت صديقتى إلى زر صغير يشعل الكشاف الوحيد اليتيم بمقدمة السكوتر، وزر آخر يتحرك يميناً ويساراً ليشعل نور الإشارات الجانبية الأصفر، وأخير زر عريض كبسته فاطلق نفيراً عالياً مزعجاً.

عرفت كل ذلك وقدماى مستقرتان على الأرض تنعمان بأمان الإستقرار والثبات. ثم أشارت لى صديقتى ان أتخذ مجلسى كقائدة للسكوتر واتبع خطوات إدارة المحرك، ثم أزيد السرعة عن طريق إدارة المقبض الأيمن باتجاه الجنوب رويداً رويداً حتى يتحرك السكوتر. فعلت كما أشارت وانتفض جسدى مع النطلاقة العنيفة للسكوتر، يسمنوها “الكيك” أو الركلة، ربما لأنك تشعر معها ان أحدهم قد ركل مؤخرة السكوتر (ولتحمد الله انها ليست مؤخرتك انت شخصياً) ليدفعكما معاً دفعة مفاجأة إلى الأمام.

نجحت بالفعل فى التحرك بالسكوتر دون أية خسائر مادية تذكر. كان الاحتفاظ بتوازنى وتوازن السكوتر هو العامل الرئيسى لنجاح الأمر، فما عدا ذلك من تحكم فى استخدامك لمقبض السرعة والمكابح يرجع لحكمتك الشخصية ومدى تركيزك والتحكم العضلى العصبى لك. هناك حوادث كثيرة يتفاقم تأثيرها بسبب تشبث قائد الموتوسيكل بمقبض السرعة، أو استخدامه الخاطىء للمكابح. أما التوازن فهو بداية تعارفك وتآلفك مع السكوتر، وهو لا يختلف كثيراً عن توازنك على الدراجة الهوائية، إن لم يكن أكثر سهولة بسبب فرق الوزن الكبير بين السكوتر والدراجة، فخفة الأخيرة، ونحافة إطاراتها تجعل التحكم بها أصعب بالتأكيد.

هكذا نجحت فى إكمال دورتين كاملتين بالمكان، ولكننى سقطت على بعد عشرة سنتيمترات من صديقتى الواقفة على جانب الطريق، لأنى أردت التوقف أمامها مباشرة وفوجئت ان سرعتى ستجعلنى على الأرجح أرتمى فى حضنها أنا والسكوتر سوياً، فضغت المكابح بقوة ومفاجأة. انتهى الموقف الأليم بصديقتى سليمة معافاة، وأنا أقف أمامها فى خجل، والسكوتر ممد كجثة هامدة بين أقدامنا.

الأمر الرائع فى هذه الآلات اللطيفة المسماة بالسكوتر، وأخص بالذكر منها ما لم تزد سعته عن 150 CC، ان حجمها الصغير وتصميمها الذى يحمى أرجل قائ
دها تماماً داخل الإطار الخارجى لجسم المكنة يجعل الوقوع بها، بالذات على السرعات البطيئة، أخف وقعاً على قائدها من سقطة الموتوسيكلات، لأن وضعية الجلوس فوق تلك الأخيرة وأرجل قائدها تحيط بجسم المكنة، يحتم ان يسقطا معاً متلاصقين، بينما يستطيع قائد السكوتر بسهولة ان يفصل جسده بالكامل عن السكوتر وقت السقوط، إلى حد الوقوف على قدميه تماماً والسماح للسكوتر بالإنزلاق بين قدميه.

انتهت حصة تعليم قيادة السكوتر الأولى (والتى صارت الأخيرة كذلك) بعد نصف ساعة لا أكثر. ولم تكد تمر ستة ساعات أخرى على هذه الأحداث حتى شرعت فى أول رحلة للسكوتر الخاص بى من مصر الجديدة إلى مدينة نصر فى نفس الليلة.  ولهذا قصة آخرى.

شيرين عادل

13 October 2014

مذكرات الفزبا الحمرا – (3) الإسكندرية/ نيودلهى

Standard

Scooter Diaries - Banner

مارس 2013 .. أدخل قاعة الإجتماعات الأنيقة بالدور العاشر فى شركتنا العامرة. كان هناك عدد قليل من الزملاء يتفرقون فوق المقاعد فى غير انتظام، بينما يقف شخص فى مقدمة الحجرة مواجها الحضور وقد بدت من خلفه شاشة العرض الصغيرة تحمل ذات الكلمتين اللتان لفتتا انتباهى إلى إيميل الدعوة إلى هذا الإجتماع الخارج عن المألوف بالشركة: riders club. بدأ الزميل الذى لم أره فى حياتى من قبل برغم تواجدنا فى نفس المكان لسنوات – وكان هذا هو الحال مع الغالبية العظمى من الحضور ذلك اليوم – بالتعريف بالهذف وراء تأسيس هذا النادى الصغير لراكبى الدراجات، وهو تبادل المعلومات وتشجيع موظفى الشركة على ممارسة رياضة ركوب الدراجة الهوائية أو استخدامها هى أو السكوتر كوسيلة مواصلات يومية للعمل بهدف التغلب على إزدحام الشوارع ومشاكل صف السيارات.

طوال الساعة التالية شرح لنا أحدهم المعلومات الأساسية التى يجب ان يعرفها كل من أراد الدخول إلى عالم الدراجات الهوائية، مثل الأنواع المختلفة للدراجات، والفارق بينهم من حيث السعر والسرعة والأداء إلخ. ثم شرح لنا آخر معلومات مشابهة خاصة بالسكوتر أو الفسبا. إلى هنا والموضوع بالنسبة لى، وربما بالنسبة لقارىء هذه السطور، عادى إلى حد الملل. إلى ان قامت تلك الفتاة ووقفت بجوار المحاضر وبدأت فى مشاركته الرد على الأسئلة حول السكوتر!

كانت تلك الفتاة تركب السكوتر بصورة يومية، وهى أصلاً من الإسكندرية، المدينة التى يجب ان نعترف لها بالفضل فى تبنى ونشر ثقافة ركوب الدراجات منذ عقود طويلة. من منا لم تركب الدراجة فى المعمورة أو العجمى وهى صغيرة؟ والحقيقة ان بدايات انتشار ركوب السكوتر سواء للنساء أو الرجال وسط قطاع عريض من أبناء الطبقة الوسطى جاءت أيضاً من قلب الإسكندرية وأصبح انتشارها ملحوظاً بشدة بالذات فى السنتين الأخيرتين، وتأسس بها أكثر من نادى لركوب الدراجات الهوائية والسكوتر يمارسون أنشطتهم على كورنيش الإسكندرية كل يوم جمعة بهدف الاستمتاع بالرياضة وتشجيع الآخرين على الإنضمام لهم/لهن.

daily1.520933

بدأت علامات الإستفهام تقفز إلى ذهنى الواحدة تلو الآخرى، لا ينافسها فى السرعة سوى انطلاق الكلمات من فمى تسعى وراء إجابات شافية من  الفتاة بخصوص ركوب السكوتر فى شوارع مصر المخيفة، بحفرها ومطاباتها وجنون سائقي ميكروباصاتها وكم مخالفى كل القواعد المرورية والمنطقية على حد سواء،  وأخيراً وليس آخراً: هى الشوارع التى لا تسلم فيها حتى  سائقة السيارة من التحرش اليومى! كانت إجابتها مطمئنة إلى حد دفعنى للشك فى صدقها … بالرغم من انها – الفتاة – تقف أمامى بكامل شحمها ولحمها لا ينقصها ذراع أو قدم وليست مصابة بأى نوع من الحالات النفسية ولا العصبية المزمنة!

انتهى الإجتماع الذى لم تهدأ فيه المعلومات ولا الأسئلة طوال ساعتين باتفاق ودى بينى وبين الفتاة على لقاء قريب تسمح لى فيه بتجربة السكوتر وتعلمنى قيادته. وطوال يومين بعدها لم يهدأ فيهم بالى أبداً. الموضوع جديد وغريب ومغرى ومثير للمشاكل فى نفس ذات الوقت. ولكن ذكرى بعيدة وتجربة ثقافية مختلفة كنت قد خضتها منذ عدة سنوات تبادرت إلى ذهنى وفتحت لى مجال كبير للوصل إلى قرار مصيرى كان من شأنه تغيير نمط حياتى إلى الأبد.

فى أواخر عام 2007 سافرت إلى دولة الهند الشقيقة. وهى شقيقة فعلاً لأن بها الكثير من العادات والتقاليد المألوفة لنا كمصريين. لا سيما فيما يتعلق بالمرأة. ففى الهند المجتمع محافظ إلى حد كبير، ذكورى النزعة بطبيعة الحال، ونظرته عن حقوق المرأة لا تختلف كثيراً عن نظرته إلى حق قرد البابون فى الاستحمام مرتين يومياً، إن الأمر لا يعنيه أساساً من قريب أو بعيد. بل انهم يصلون إلى أبعد من ذلك: فالمرأة هناك هى التى تتقدم إلى الرجل بطلب الزواج، وتتكفل هى وأسرتها بكافة تكاليفه، وللرجل ان يتمنّع ويتشرط لأنه سيتكرم ويتعطف وينقذ الفتاة من مصير يعتبره الهنود وصمة عار لا تغتبر فى جبين الأسرة: ان يطلق على الفتاة لقب “عانس”. ولقب “عانس” هذا يثير ذعر كل بيت هندى ما ان تبلغ البنت فيه سن الثانية أو الثالثة عشر ولم يرغب فيها أحد!! وتظل الأسرة تتودد و”تمسح الجوخ” لكل أسرة قريبة أو بعيدة تجد عندها من الرجال من يصلح “عريساً” لابنتهم. وبعد سلسلة من المحاولات المضحكة لإجبار الشاب والفتاة على اللقاء والحديث معاً، وعدد لا حصر لها من “العزومات” والمجاملات الأسرية اللا محل لها من الإعراب، يتفق الأهل على موعد الزواج، وتقدم أسرة الفتاة القرابين المسماة “المهر” أو “الشوار” إلى العريس المصون، ويتم الاحتفال فى جو بهيج من “التلزيق” الأسرى بهذا الزواج الصالوناتى المدبر عن سبق الإصرار والترصد.

هل وصلتك الصورة الهندية المشابهة للصورة المصرية عن زواج البنات؟ حسناً، قس على ذلك بقية التقاليد الخاصة بالفتيات هنا وهناك. ومع ذلك، وهذا هو لب الموضوع هنا، فهناك عدد كبير من الفتيات اللاتى يقدن الدراجات النارية والسكوتر بمختلف أنواعه فى شوارع نيو ديلهى، العاصمة المختنقة مرورياً ربما بصورة أفدح منها فى القاهرة. يكفى ان تقف فى أى إشارة مرورية بشارع رئيسى حتى تلاحظ ان هناك على الأقل 3 أو 4 صفوف من الدراجات النارية تصطف خلف خط عبور المشاة، ومنها نسبة كبيرة من الفتيات. ومن المشاهد المبدعة فى ذلك، تلك اللوحة الفنية الفلكلورية التى ترى فيها إحدى الفتيات تقود الدراجة وهى ترتدى الملابس الهندية الفضفاضة المميزة بألوانها الزاهية، وتختفى رأسها تحت الخوذة بينما تتدلى من تحتها ضفيرة طويلة من الشعر الأسود الناعم المصبوغ بلون الحناء.

The All Women Bike Rally organised by Nav Bharat Times on International Women`s Day to give the message of women empowerment and celebrated of their freedom, in New Delhi on March 08, 2014. (Photo: Amlan Paliwal/IANS)

الدراجات النارية المختلفة، والتى تعتبر الشركات الهندية من أكبر مصنعيها فى العالم، هى مجرد وسيلة اختارها شباب الهند اليوم من الجنسين للتغلب على إزدحام الشوارع والاختناقات المرورية المستفحلة بالعاصمة، وبالتالى هذا المنظور العملى البحت فرض نوع من التقبل الثقافى الواسع بين الشعب لقيادة النساء لها ولم يتعارض ذلك مع طبيعة الشعب المحافظة.  حتى أنه فى عام 2010، رصدت الشركات المصنعة للدراجات النارية بالهند زيادة تتخطى ال 40% فى حجم مبيعاتها للنساء.  وتطور الأمر إلى ان وصلنا فى العام الحالى 2014 إلى مشاهدة رالى للدراجات النارية أقيم عبر 13 مدينة هندية مختلفة، وشاركت فيه أكثر من 3300 فتاة وسيدة هندية.

1362999440-all-womens-bike-rally-in-new-delhi_1860417

أتمنى حقاً ان يأتى اليوم الذى نرقى فيه إلى ثقافة استخدام الدراجات النارية بهذهالصورة المشرفة التى قدمتها فتيات الهند للعالم.

أما عن القرار المصيرى الذى اتخذته بعد تفكير عميق، فلذلك قصة آخرى فى الحلقة القادمة. تابعونى 🙂

شيرين عادل

10 May 2014

مذكرات الفزبا الحمرا – (2) أبى فوق الهارلى

Standard

Scooter Diaries - Banner

الحلقة الثانية: أبى فوق الهارلى!

مارس 2013 … يوم ممل آخر من أيام العمل التى تدوربلا انقطاع كطاحونة هواء فى شتاء دائم. يصلنى ايميل يحمل علامة النشرات العامة، تلك النوعية من الايميلات التى نادراً ما نكترث لها كموظفين، ويكون مصيرها فى الأغلب هو ضغطة صغيرة على مفتاح Del تلقى بها إلى غياهب سلة تدوير المهملات. إلا ان العنوان هذه المرة جذب اهتمامى بشكل خاص، واستوقف سبابتى فى منتصف طريقها إلى المفتاح الماحى الرهيب.

Riders Club .. كانت الكلمتين اللتان دفعتانى لفتح الايميل، فإذا به يحمل دعوة للقاء تعارف بين كل هواة وممارسى رياضة ركوب الدراجات بمختلف أنواعها، نارية وهوائية، من موظفى الشركة الكرام. حسناً، لم أكن يوماً من هواة هذه ولا تلك، ولكن الدراجات النارية أو الموتوسيكلات بالذات أحمل لها نوع غريب من الحنين الذى تمكن من قلبى وجعل عيناى تومض بالقلوب الحمراء، وتشع حول رأسى هالة بألوان قوس قزح كلما ذُكرت أمامى أو رأيت أحدهها. هذا بالرغم اننى لم أركبها فى يوم من الأيام ولو على سبيل التجربة، ولم أحاول حتى ان أقترب منها من قريب أو بعيد.

بيد ان ما ذكرته لتوى ليس صحيحاً بشكل كامل. فالحقيقية ان الموتوسيكلات قد احتلت جزء مميز من وجدانى منذ ان وعيت السمع والإبصار أصلاً. بل ان كلمة “فسبا” نفسها هى – صدق أو لا تصدق – من أوائل الكلمات التى نطقت بها على الإطلاق قبل حتى ان يستوى لسانى بكلام مفهوم!

كنت –ومازلت – طفلة عنيدة بطبعى، كنت أرفض تناول الطعام فى أغلب الأحيان، وكان على والداى محايلتى فى كل وجبة، تارة بإلهائى فى لعبة ما، وتارة بإظهار الغضب والتعنيف – واليوم اتلقى كل التعنيف بسبب كثرة أكلى وزيادة وزنى، وهذا إن دل فإنما يدل على انك لا تستطيع إرضاء أهلك أبداً يا صديقى! – وكان من جملة ما أخترعه والدى من أساليب المحايلة، هو وضعى على الإفريز الداخلى لأحد الشبابيك العملاقة فى بيتنا عتيق الطراز، وإلهائى بذكر لون السيارات المارة فى الطريق، فأصير أكرر من ورائه بحروف مكسورة: “عبّية – أى عربية” – حمرا” … عبّية صفرا. وهكذا. إلى ان تمر “فسبا” فأنطقها بسهولة، وبنفس درجة الحماس المنعكسة فى صوت أبى نفسه!

            نعم، كان أبى يعشق قيادة الدراجات النارية، تلتمع عيناه حين يتحدث عنها، وتعلو وجهه ابتسامة مشرقة كمن يفكر فى حبيبته كلما ورد ذكرها أمامه. وان لم يكن هذا العشق قد انتقل إلى عبر الجينات، فلابد انه انتقل إلى بسبب التعرض المتواصل طوال سنوات طفولتى الأولى لكمية مكثفة من محفزات الذاكرة المتعلقة بالدراجات النارية، إما عبر حكايات أبى التى لا تنتهى عنها، أو عبر الصور الفوتوغرافية التى يمتلكها.

            فحين كبرت قليلاً ونمت قدرتى على الإستيعاب، نما لدى معها ولع غريب بالصور الفوتوغرافية، وكان أبى يمتلك منها العشرات، بل المئات. صور أبيض وأسود ذات برواز أبيض بهتت أطرافه وعلاها الإصفرار، يحمل معظمها وجه أبى فى مراحله العمرية المختلفة، بين أسرته وعائلته تارة، وأصدقائه أو زملاؤه فى العمل تارة آخرى. كان أبى يحتفظ بتلك الصور فى درج خاص يمتلك هو وحده مفتاحه، وكنت ألح عليه كل فترة ليسمح لى بالإطلاع عليها، فيخرجهم بحرص شديد، ويشرف على عملية إطلاعى عليهم، مشاركاً أحياناً بوصف المكان الذى التقطت فيه هذه الصورة أو تلك، أو صلة القرابة بينه وبين الرجل الواقف بجواره، وربما توقف عند صورة بعينه فيضحك لأنها ذكرته بموقف طريف فيحكيه لى.

وكان من أكثر هذه الصور القديمة تميزاً، تلك التى يظهر فيها أبى وهو فى العشرينات من عمره، مرتدياً ملابس صيفية ناصعة البياض، وقد استقر فوق “فسبا” عتيقة الطراز، وإن دلت حالتها على انها كانت حديثة “ع الزيرو” وقت إلتقاط الصورة، بينما يشير التاريخ المختوم بخاتم عتيق على خلفية الصورة انها قد التقطت فى سبعينات القرن الماضى.

644619_477308799008673_1846908144_n

ثم هناك صورة آخرى، يبدو فيها أبى أكثر شباباً، حيث لم يتعدى السابعة عشر من عمره تقريباً، وقد خط شاربه، وجلس فوق موتوسيكل “هارلى ديفيدسون” يبدو شديد الضخامة مقارنة بجسده شديد النحول، وقد استقر حذائه الجلدى بنى اللون الذى تحمل مقدمته اللون الأبيض مثل أحذية أنور وجدى على دواسة ناقل السرعة اليسرى فى وضعية تحمل أعتى علامات الإفتخار والكبرياء، بينما تبدو من خلفه الكبائن الخشبية التى كانت تميز شاطىء ميامى بالإسكندرية فى تلك الحقبة من الخمسينات.

DSC05242

وإن كان أبى قد أخفى عنى الكثير من مغامراته الشيقة فى تلك الفترة من عمره، إلا ان أبناء عمومتى الذين عاصروا تلك الفترة قد “فتنوا عليه”، فروا لى الكثير من الحكايات الطريفة. منها مثلاً ان عمتى وابنتها كانتا يركبان الترام ذات يوم – وكان وقتها يمر عبر شارع شبرا الرئيسى – فإذا بجميع من فى العربة يتجه إلى النوافذ اليمنى وقد اتسعت أعينهم فى اندهاش – وربما ذعر – كان هناك شاب قد انتصب واقفاً فوق موتوسيكل وهو ينطلق بسرعة فى محاولة للتسابق مع الترام! علقت عمتى متسائلة “مين الواد المجنون ده؟ حد يخاطر بنفسه كده؟” … فما كان من ابنتها إلا ان أجابتها فى بساطة: “ده أخوكى!”.

لا يمكننى الجزم بمدى صحة تلك الواقعة وغيرها بالقطع، لسبب بسيط هو أن أبى يصر على إنكارها، ربما ليحتفظ بالحق فى تقريعى على تهورى وجنونى، خاصة وقد فلت العيار ولم يتمكن من إثنائى عن ركوب الموتوسيكلات نفسه، وربما هو يصر على الإنكار خوفاً من ان يتطور اهتمامى من مجرد ركوبى للموتوسيكلات، إلى الإتيان بحركات بهلوانية كما كان يفعل هو منذ عدة عقود.

10006925_637167369689481_299878878_n

وسواء انتقلت القدرات البهلوانية مع نفس جينات قيادة الموتوسيكلات فى دمى أم لا، تبقى الحقيقة الجلية ان تلك الصور الخاصة بال”هارلى” الذى امتلكه أبى يوماً ما وهو بعده شاب غرير يتلقى مصروفه من أبيه، و”الفسبا” التى إشتراها من حر ماله فيما بعد حين دعته الظروف إلى ذلك، قد ظلت عالقة فى ذهنى لفترة طويلة، وقد شكلت جزء غير يسير من ذكريات طفولتى الأولى، ورغم ذلك، لم تراودنى نفسى إطلاقاً طوال تلك السنوات ان اتبع سنة أبى فأتحول بنفسى إلى ركوب الموتوسيكلات. هذا إلى ان كان ذلك اليوم الذى وصلنى فيه الايميل اياه، وذهبت للقاء أول “ركّيبة” موتوسيكلات عرفتهم فى حياتى بعد “الركيّب” الأول، ومعلمى الأول – حتى لو كره هو اليوم ان يكون سبباً فى ركوبى للموتوسيكل – أبى العزيز عادل حليم.

شيرين عادل

28 April 2014

دليلك للاقامة في فنادق الاربع وخمس نجوم بمصر المحروسة

Standard

1       جنسيتان حاول قصاري جهدك متتقابلش معاهم في المطعم ابدا: المصريين والروس. الاولانيين بيدخلوا المطعم مع بدأ إشارة الانطلاق ويصروا علي اكمال الماراثون حتي النهاية او حتي الترجيع من كتر الاكل. التانيين عندهم استعداد يدخلوا ماتش ملاكمة مع اي حد واقف قدام اي نوع من الاكل طالما هم عايزين من الاكل ده. توقع ان حد منهم يزيحك بايده عادي جدا او يلكزك كوع ومش هيرمش له جفن.

2لو عندك صداع … حاول متحتكش بايطاليين .. هم شعب ودود جدا .. ربما ودود زيادة عن اللزوم … ورغااااااااي رغي كريم الحميدي علي راديو مصر بالظبط. لو وقعت في ايد حد منهم مش هيسيب ودانك … والمشكلة هنا انك نادرا ما هتقع مع واحد بس .. لا .. هتقع في قرطة منهم … لان افراطهم في الاجتماعية يحتم عليهم المشي في مجموعات مثل البطاريق تمام.


3لو لقيت واحدة شقرا او واحد ابيضاني جاي في وشك واتقابلتوا في طرقة ولا ممر في اي حتة في الفندق .. ولقيته بيبصلك بارتياب شديد وبعدين يحاول يبص في حتة تانية بعدين يرجع يبص لك في ارتياب … وتستمر العملية دي لحد ما يعديك .. ومن ثم تسمع زفرة صادرة عنه تخليك تسأل نفسك: هو انا بخوّف للدرجة دي؟ .. تأكد تماما ان الشقرا دي مجرد واحدة مصرية بس لا مؤاخذة صابغة … والابيضاني ده مجرد مصري عنده اختلاط في الجينات بسبب اختلاط نسبه بانساب الفرنسيين ابان الحملة الفرنسية علي مصر مش اكتر. عرفنا الكلام ده بقي منين؟ مفيش اجنبي ايا كانت جنسيته لو جت عينك في عينه مش هيبتسملك او يهز راسه بتحية خفيفة .. دا ان ما قالش هالو او تحية صباح او مساء. المصري هو المخلوق الوحيد علي الكوكب اللي مولود في فيلم the walking dead ومقتنع تماما ان كل اللي حواليه zombies ممكن يهجموا عليه ويعضوه في اي لحظة. بالتالي يمكننا تفسير مدي توتره لما بيقابل حد من نفس جنسه .. فبيضطر يمثل ان هوه نفسه زومبي .. يضرب وش خشب ويحاول يبعد عينه عن عينيك .. ويمشي مشية جد كانه من جنود النازي.

4لو الفندق اللي انت نازل فيه فيه اكتر من عيلة واحدة مصرية بعيلين علي اقصي تقدير .. لم شنطك واعمل تشيك اوت فورا. المصريبن مش بيربوا .. المصريين حدود علاقتهم بعيالهم تنتهي عند تلبية الاحتياجة الفيزيائية فقط لا غير .. احنا نأكّل ماشي .. نغيّر بامبرز قشطة … نضرب الواد قلمين علي وشه عشان تف البيضة اللي دفسنهاله في بقه غصم واقتدار يجوز .. لكن نربي لأ .. هو لو المصريين ربوا يبقي سبنا ايه للزمن يعمله؟ … المصري الاصيل شعاره: اطلق العيال وريح دماغك واستمتع باجازتك … سيبهم يلعبوا في زراير الاسانسير لحد ما يخربوه … ويجروا في كل مكان يوقعوا شنط الناس .. ويدوسوا علي رجل الناس … ويلحوسوا كل حتة باكلهم وشربهم ومخاطهم وكل سوائل جسمهم المختلفة. كل ده وانت عامل نفسك مش واخد بالك.

    5تعرف منين الفندق اللي ادارته اجنبية من اللي ادارته مصرية؟ راقب تصرفات الموظفين والعمال. لو لقيت مثلا العامل واقف في آخر الطرقة وفاتح جعورته علي 1500 وات وبينادي علي زميله: “يا حسيييين … شوف عندك غرفة 510 كات عايزة ورق مناديييييه” … ايوة ان ذنب ودن امي ايه انكم سكنتوني جنب غرفة 510 اللي عايزة مناديه دي؟ دي طبعا ادارة مصري صرف … الادارة الاجنبي اللي بتتمتع بالظبط والربط لو المدير سمع فيها الحوار الشيق ده هيرفدهم رسمي. الصوت العالي همجية وغوغائية مينفعش تحصل في فندق محترم. موقف تاني: لاحظ تصرفات الندلاء في المطعم .. لو بيتجمعوا علي جنب ويقفوا يهزروا ومحدش فيهم معبر الناس اللي قاعدة .. دي ادارة مصري … حيث الموظف الفهلوي يحاول تقديم اقل قدر من المجهود وقضاء وقت لطيف مع زملائه (ويا حبذا لو كنّ زميلاته) مش اكتر.

 6يا ويلك يا سواد ليلك لو تصادف وجودك في فندق يستضيف فوج من شركة او نادي او مؤسسة مصرية .. العبي يا العاب بقي .. الفرج ده بيكون الغالبية العظمي منه تصرفاتها تصرفات شبعة من بعد جوعة .. ومتفهمش بقي ان كان ده نابع من كونهم فعلا معتبوش فنادق نضيفة قبل سابق … ولا من كونهم ببنتقموا من المؤسسه او الجهة اللي بعتاهم ودافعة فلوس اقامتهم من منطلق: اهو اللي ييجي من عينيهم! .. انا مش هتكلم عن “الكيسة السمرا” والاطباق التي تتخذ شكل برج بيزا المائل من فرط ما عليها من طعام والمهازل الحضارية اللي بتحصل في كل مرة بيدخلوا فيها المطعم … ولا الصدمة العصبية اللي بتبان علي وشوشهم لما بييجوا يعملوا تشيك اوت ويكتشفوا ان كيسين السوداني والشوكلاتية المارس وعلبتين البيبسي اللي ضربوهم اول ما دخلوا الاوضة تمنهم حوالي 150 جنيه .. ولا محاولات نزول البيسين فلح-ستايل: الرجالة بالفانلة الحمالات عشان التسلخات وكدزه .. والولية بالمايوه الشرعي اللي بيخليها عاملة زي الغواصة البرمائية وهي بتبلبط في الحتة بتاعة الاطفال وبتتقلّب يمين وشمال علي ارض الحمام زي السمكة البلطي المصابة بالقولون العصبي. ولا هتكلم عن الرجالة السناجل (وساعات المتجوزين وحياتك) ومحاولاتهم البائسة المثيرة للشفقة للفت انتباه اي حاجة اجنبية معدية حتي لو كانت من مخلفات الحرب العالمية الاولي مش التانية. ولا هتكلم عن الشو الروسي وحالات الريالة اللا ارادية اللي بتحصل للرجالة .. ووشوش الزوجات اللي بتتقلب قلبة الشراب المقلوب وهم قاعدين بيتفرجوا ع المزز الروسي وكل شوية يبصوا لجوازتهم بطرف عينهم ولسان حالهم بيقول: “شوف ياختشي الراجل مبحلق ازاي في شوية الابراص المخلية اللي بتتلوي زي التعابين دي. اللي ما في حتة لحم توحد ربنا غيرش عضم ف كل حتة. جتهم القرف في الرجالة واذواقهم العرة”. تقولها وهي تعدل من لفة الازبانيش اللي قامطة بيها شعرها وتتسائل في سرها عما سيقدمه الفندق في عشاء الغد وتمني نفسها بطبق كبير من اللحم المشوي والديك الرومي.

مذكرات الفزبا الحمرا – (1) الشخليلة ولا اليويو

Standard

Scooter Diaries - Banner

 

الحلقة الأولى: الشخليلة ولا اليويو

  فى سنة 2006 تقريباً، توجهت مع أبى وأمى إلى أحد معارض السيارات القريبة فى مدينة نصر. وذلك لمعاينة بعض السيارات هناك، بنية شراء سيارة جديدة طبعاً. كنت قد حصلت منذ عدة شهور على وظيفة من التى يطلقون عليها “محترمة” – على أساس ان ما دونها هو الرقص أو ما هو أسوأ؟ – وصار لى دخل ثابت من الذى يطلق عليه “محترم” كذلك – كأن ما دونه هو نقطة أفراح ايضاً! – فأخذ والدىّ فى الإلحاح المتواصل لإقناعى بتغيير سيارتى القديمة نسبياً بأخرى جديدة خاصة وان الأقساط تناسب مرتبى ولن ترهقنى كثيراً. نعم أنا فتاة مدللة وحيدة أبواى، صحيح، لكن التدليل لا علاقة له بالأمر هذه المرة، فالبنوك الآن تقوم بدور رائع فى تدليل كل مواطن مصرى بوجه عام، من خلال خدمة “قرض السيارة”، الذى يتيح لأى موظف الحصول على سيارة جديدة مقابل اقتطاع جزء لا بأس به من مرتبه لفترة قد تطول لتصل إلى ورثة الجيل الخامس من أحفاده! وبالمناسبة، أنا اعتبر البنوك بخدمتها هذه هى السبب المباشر فى تدهور أحوال المرور فى الشارع المصرى، حيث وفرت بالفعل “سيارة لكل مواطن” … حرفياً! فى أوروبا مثلاً، هناك بعض الدول التى تفرض قوانينها ضرائب ضخمة على كل سيارة زائدة عن السيارة الأولى لكل أسرة، أى من حق كل أسرة ان تمتلك سيارة واحدة فقط بضريبة عادية بسيطة، أما لو أراد أكثر من فرد فيها ان يمتلك سيارته الخاصة، فعليه ان يتحمل ضرائب طائلة من أجل ذلك.

هكذا يا سادة، ضاربة بتلك القوانين الأوروبية اللئيمة عرض الحائط، عدت إلى ذلك المعرض الفخم فى أرض الوطن، حيث رحب بنا مسئول المبيعات ترحيب مبالغ فيه كالعادة وكأن هذا الترحيب كفيل بأن نقول له “أعطينى ست حبات” على رأى “أحمد مكى”، ثم لم يلبث ان اصطحبنا فى جولة بين السيارات المعروضة: هذه السيارة الزرقاء بها جميع الكماليات ولكنها مانيوال، وتلك الذهبية بها نصف كماليات لكنها أوتوماتيك، وإذا دفعت مبلغ “س” كمقدم يكون القسط “ص” .. إلى آخر “حسبة البرمة” التى لابد ان يخوضها كل من سعى لشراء سيارة “زيرو”. قديماً قال أحد الحكماء: إذا أردت ان تدفع إمرأة إلى الجنون، فأعطها عدة خيارات. أعتقد ان الرأسمالية الحديثة تدفع الجميع – وليس النساء فقط – إلى الجنون بصورة بطيئة ويومية. ان مبدأ “الشخليلة ولا اليويو” صار كابوساً حقيقياً يطاردنا فى كل خطوة نتخذها.

17885045-illustration-of-car-sale--a-customer-choosing-a-car-of-his-her-choice-from-different-types-of-cars-o

أخذت اتنقل بين السيارات، دون ان يكون لدى أدنى فكرة عن نوعية السيارة التىأرغب فيها حقاّ. بالنسبة لى، وأعتقد بالنسبة للغالبية من النساء بوجه عام، الموضوع يتعلق بالشكل لا بالمضمون. عملية اختيار سيارة تقتصر على بعض المفردات الأساسية البسيطة التى تعبر عن شيئين لا ثالث لهما. الأول هو اللون؛ مثل “أحمر”، “أزرق”، “أخضر”، إلخ، إلى جانب عدد من الألوان التى يعجز الرجال عن رؤيتها بقدرات أعينهم المحدودة التى لا ترى سوى الألوان الأساسية فقط، من تلك الألوان التى يراها النساء دون الرجال مثلاً: “البيستاج” (الذى يختلف قطعاّ عن الأخضر الزرعى) و”البترولى” (الذى هو لون مائع يتأرجح متردداً بين الأخضر والأزرق) و”الفوشيا” (الذى يختلف جذرياً عن البمبى) و”الليلا” (الذى يختلف تماماً عن كل من “الموف” و”البتنجانى” و”البربل” – البربل ده اللى هوه البتشنجانى برضو بس برقة ودلع). أما الشىء الثانى الذى يعتمد عليه اختيار الأنثى لسيارتها فهو شكل السيارة أو حجمها، مثل “السيدان” أو”الهاتشباك” أو ببساطة “العربية العالية” (وهذه كلمة مطاطة تندرج تحتها أى سيارة ذات سقف مرتفع نسبياً بغض النظر عن كونها دفع رباعى أم لا).

هذه المفردات السهلة الممتنعة لا ترقى بالطبع إلى طموحات الرجال، الذى يرتفع سقف مطالبهم فى السيارة إلى أشياء تقاس بالسعة اللترية وعدد السلندرات ونظام الفرامل إلخ إلخ. ربما كان الاستثناء الوحيد الذى عرفته فى حياتى هو ذلك الصديق الذى اختار سيارته بناءاً على صلاحية عجلة القيادة للاستخدام كطبلة! كان صديقى هذا متردداً بين سيارتين، فحسم أمره أخيراً بأن جلس وراء عجلة القيادة فى كل منهما، وأخذ ينقر الجزء الذى يصل بين اللوحةالأمامية (التابلوه) وعجلة القيادة، ففازت بملكيته لها تلك السيارة التى أتاحت له صوت أعلى وسهولة أكثر فى التطبيل!

المهم، وأنا فى خضم هذه الصراعات النفسية المريرة ما بين السيارة الزرقاء الهاتشباك كاملة الكماليات ذات السعر المعقول، وتلك السيدان الذهبية الأوتوماتيك ناقصة الكماليات، وإذ بعينى تقع عليه للمرة الأولى (جدير بالذكر هنا أنى لم أكن مرتبطة فى تلك الفترة!).

كان أصفر اللون كبدلة “هنيدى” فى فيلم “صعيدى فى الجامعة الأمريكية”، أى “واقع فى برطمان مسطردة” كما سخرت منه “منى ذكى” فى الفيلم كذلك. دواخله سوداء أنيقة، وكرسيه مكسو بالجلد الأسود اللامع. غمز لى بفانوس إشارته اليمين، فإذا بى أتقدم نحوه لا إراديا كما لو كانت به قوة مغناطيسية هائلة.  وضعت يدى على مقبضه فى رهبة، وتسمرت أمامه فى لحظة صمت مطولة، وكأننى أقف فى محراب لوحة فنية عميقة. انتزعنى من جلال الموقف هذا صوت مسئول المبيعات الذى اقترب منى وهو مازال يشرح فى مميزات سيارة ما لم يعد لدى أدنى اهتمام بها الآن، فقاطعته فى حزم: “بكام دا؟”. تسمر هو بدوره وفغر فاه للحظة، ثم تمتم متردداً وهو ينظر إلى والدى فى توجس: “ستة آلاف!”. عندها تهلل وجهى والتفت إلى أبى متسائلة فى براءة: “طب ماله ده؟ رخيص وشكله شيك ومش هضطر أدفع حتى أقساط. ده كله على بعض مايجيش نص تمن مقدم عربية!”. لو كان التريث والحكمة قد منحانى الوقت الكافى لتأمل تأثير كلماتى على والدىّ لتوقعت ان يسخرا منى أو حتى بافتراض أقصى درجات الأحلام الوردية لتوقعت ان يناقشانى فى الأمر فيلقيا على مسامعى تلك المحاضرة المطّولة عن عدم ملائمة ركوب دراجة نارية لثقافة مجتمعنا، أو عن خطورة القيادة فى مصر، أو حتى عن المستوى الإجتماعى، إلخ. لكن الحقيقة ان رد فعلهم فاق حتى أكثر توقعاتى جموحاً. لقد سمعا سؤالى البرىء، فالتفا بهدوء شديد إلى مسئول المبيعات وأكملنا أسئلتهما الشيقة عن الفروق الأساسية بين السيارة الزرقاء الهاتشباك كاملة الكماليات ذات السعر المعقول، وتلك السيدان الذهبية الأوتوماتيك ناقصة الكماليات!

أنتهت رحلتنا القصيرة إلى معرض السيارات بقرارين هامين، أولهما أننى لن أتطرق إلى موضوع قيادة سكوتر أو دراجة نارية مرة آخرى – على الأقل حتى حين. ربما ليقينى التام انه من رابع المستحيلات ان يسمح لى أهلى بذلك. وربما ايضاً – وهو السبب الأقرب إلى الحقيقة – هو أننى لم أكن مقتنعة تماماً بالفكرة فى تلك الفترة، ولم تتمكن منى الرغبة التامة فى قيادة دراجة نارية التى قد تدفعنى للاقدام على ذلك. لم أكن أعلم وقتها ان الأمر سيتطلب سبعة سنوات كاملة، وكثير من الأسفار والترحال، وزواج وبيت و”إستشيكرار”، وثورة وانقلاب وثورة ثانية وانقلاب آخر (ثورة حقيقية فى البلاد وانقلاب عسكرى وليس تعبير مجازى!) حتى أقدم على إتخاذ تلك الخطوة المهمة فى حياتى، فأقوم بشراء “سكوتر” فى أحد أيام 2013، بنفس السهولة التى أشترى بها كيس المناديل فى إشارة المرور. ولذلك قصة آخرى.

آه. نسيت ان أذكر ان القرار الثانى الذى اتخذته فى ذلك اليوم هو ألا أشترى سيارة جديدة إطلاقاً. لقد تمردت على فكرة الإختيار فى حد ذاتها وألقيت بالشخليلة واليويو كلاهما فى أقرب صفيحة قمامة. ومازالت سياراتى المدعوة “صابرين” صابرة ومثابرة معى حتى لحظة كتابة هذه السطور 🙂

شيرين عادل

24 April 2014

التزحلق فوق البركان

Standard

ناس كتير فى مصر تسمع عن الساند بوردينج (أو التزحلق ع الرمال) خصوصاً اللى راحوا سيوة أو الواحات البحرية قبل كده … حتة خشبة بتقعد عليها (أو تقف … أنت ولياقتك بقى!)  وأنت فوق تلة عالية من الكثبان الرملية … وسيب نفسك … هتتزحلق بسرعة جداً وفى خلال ثوانى هتلاقى نفسك تحت. وجدع اللى يطلع فوق تانى عشان يكرر اللعبة. المشهد بالنسبة للكسالى أمثالى عبثى بشكل لا يطاق … أسطورة سيزيف … اللى عاقبته الآلهة لسبب ما مش فاكراه ففرضت عليه انه يدفع صخرة عالية من سفح جبل لقمته … بعدين الصخرة تقع من الناحية التانية فينزل يجيبها ويزقها للقمة تانى … وهكذا. عبث!

  ده عن العبث … أما الجنان الرسمى، فهو ان فيه ناس بتعمل الموضوع ده فى بركاااان!! ايوة … فيه ناس فى مكان ما على الكرة الأرضية اتسلقوا بركان  ووقفوا على الحافة بتاعته واتزحلقوا … المكان ده هو جبل موجود فى بلد اسمها “نيكاراجوا” تقع بين أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية  … ارتفاعه 726 متر  .. واحنا بنتكلم عن بركان أكتيف … انفجر 20 مرة قبل كده آخرهم كان سنة 1999 … شغال يعنى وبينفجر كده كل فترة ويطلع حمم وكده … أومال الناس تتزحلق على ايه؟ مش لازم الحمم دى تسيح الصخور كده وتعمل شغل حلو عشان جوانب الجبل تبقى زلقة شوية ومناسبة للتزحلق؟

 السرعة اللى بيوصلوا ليها هنا قد تصل ل 50 كم/الساعة … و الصخور البركانية طبعاً الإحتكاك بتاعها أعلى بكتير من الثلج أو الرمال، قعر البورد الخشب بيكون مبطن بطبقة رفيعة من الحديد … ولتقليل الاحتكاك أكتر وأكتر .. بيلزقوا طبقة رفيعة من الفرومايكا فوق الحديد … بس دى بتتحرك بسرعة من حرارة الاحتكاك فلازم تتغير كل يوم أو بعد مرتين من الزحلقة.

طبعا احنا بنتكلم عن صخور بركانية … صحيح هى هشة وسهلة الكسر بفضل تعرضها لدرجات الحرارة الهلامية للبركان … لكنها برضو بتكون حادة جداً … تقطع أى حاجة بسهولة … لذلك “المتزحلقين”  بيلبسوا بدلة كاملة بخواص حماية، ونضارات لحماية العينين، وقفازات … كأنهم راكبين موتوسيكل ريس بالظبط.

p2194122

31191-748-500

Standard

زى ما قالوا لنا فى المدرسة  .. جرس برج الساعة (برج اليزابيث) الشهير ب “بيج بين” يعتبر من أشهر المعالم السياحية فى مدينة لندن …  الجديد بقى، ان اعتباراً من سنة 2010 زيارته بقت مقصورة على المواطنين الإنجليز فقط دون السياح؟!! الأغرب بقى انك لو انجليزى برضو مش سهل تاخد الأتوبيس أبو دورين ده وتروح كده عادى … لازم حضرتك، غير ان يكون معاك الجنسية الإنجليزية طبعاً، تكتب جواب (ايوة .. تكتبه بخط ايدك) وتبعته للنائب المنتخب لمنطقتك فى البرلمان … ولازم كمان تبعت تحجز موعد للزيارة قبلها بثلاثة شهور ع الأقل … والأماكن محدودة.

بالمناسبة، حد عارف ليه سموه بيج بن؟

Big Ben